فصل: ومن باب المسح على العمامة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب تخليل اللحية:

قال أبو داود: حدثنا أبو توبة حدثنا أبو المليح عن الوليد بن زَرْوان عن أنس بن مالك «أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه يُخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي».
قلت: قد أوجب بعض العلماء تخليل اللحية وقال إذا تركه عامدا أعاد الصلاة وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور. وذهب عامة العلماء إلى أن الأمر به استحباب وليس بإيجاب ويشبه أن يكون المأمور بتخليله من الحي على سبيل الوجوب ما رق من الشعر منها فتراءى ما تحتها من البشرة.

.ومن باب المسح على العمامة:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين».
العصائب العمائم سميت عصائب لأن الرأس يعصب بها والتساخين الخفاف. ويقال إن أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوه.
وقد اختلف أهل العلم في المسح على العمامة فذهب إلى جوازه جماعة من السلف وقال به من فقهاء الأمصار الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود. وقال أحمد قد جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه وشرط من جوز المسح على العمامة أن يعتم الماسح عليها بعد كمال الطهارة كما يفعله من يريد المسح على الخفين.
وروي عن طاوس أنه قال لا يمسح على العمامة التي لا تجعل تحت الذقن.
وأبى المسح على العمامة أكثر الفقهاء وتأولوا الخبر في المسح على العمامة على معنى أنه كان يقتصر على مسح بعض الرأس فلا يمسحه كله مقدمه ومؤخره ولا ينزع عمامته من رأسه ولا ينقضها وجعلوا خبر المغيرة بن شعبة كالمفسر له; وهو أنه وصف وضوءه ثم قال ومسح بناصيته وعلى عمامته فوصل مسح الناصية بالعمامة. وإنما وقع أداء الواجب من مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس وصارت العمامة تبعًا له كما روي أنه مسح أسفل الخف وأعلاه، ثم كان الواجب في ذلك مسح أعلاه وصار مسح أسفله كالتبع له. والأصل أن الله تعالى فرض مسح الرأس وحديث ثوبان محتمل للتأويل فلا يترك الأصل المتيقن وجوبُه بالحديث المحتمل ومن قاسه على مسح الخفين فقد أبعد لأن الخف يشق نزعه ونزع العمامة لا يشق.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مسلم، عَن أبي معقل عن أنس بن مالك قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة».
قلت: وهذا يشهد لما تأولوه في معنى الحديث الأول والقِطر نوع من البرود فيه حمرة.

.ومن باب المسح على الخفين:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا أبي عن الشعبي قال: سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ومعي إداوة فخرج لحاجته ثم أقبل فتلقيته بالإداوة فأفرغت عليه فغسل كفيه ووجهه ثم أراد أن يخرج ذراعيه وعليه جبة من صوف من جباب الروم ضيقة الكمين فضاقت فادَّرعهما ادراعا ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان فمسح عليهما».
قوله: «ادرعهما» معناه أنه نزع ذراعيه عن الكمين وأخرجهما من تحت الجبة وزنه افتعل من درع إذ مد ذراعه كما يقال ادكر من ذكر.
وفي قوله: «أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان» دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز إلاّ بأن يلبسا على كمال الطهارة وأنه إذا غسل إحدى رجليه فلبس عليها أحد الخفين ثم غسل رجله الأخرى ثم لبس الخف الآخر لم يجزئه لأنه جعل طهارة القدمين معًا قبل لبس الخفين شرطا لجواز المسح عليهما وعلة لذلك والحكم المعلق بشرط لا يصح إلاّ من جود شرطه وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وفيه جواز الاستعانة في الطهارة والوضوء بالخادم ونحوه.
قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا شعبة، عَن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد سمع أبا عبد الله وهو مولى بني تيم بن مرة، عَن أبي عبد الرحمن السلمي «أن بلالا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته ومُوقيه».
الموق نوع من الخفاف معروف وساقه إلى القصر.
قال أبو داود: حدثنا علي بن الحسين الدرهمي حدثنا ابن داود عن بكير بن عامر، عَن أبي زرعة بن عمرو بن جرير. أن جريرًا بال ثم توضأ ومسح على الخفين قال ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة. قال: ما أسلمت إلاّ بعد نزول المائدة.
أراد القوم بهذا القول أن المسح على الخفين كان رخصة ثم نسخ بقوله سبحانه: {وأرجلكم إلى الكعبين} في صورة المائدة. فقال جرير ما أسلمت إلاّ بعد نزول المائدة أي ما صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ بعد إسلامي. وقد رأيته يمسح على خفيه يريد به إثبات المسح على الخفين وأنه غير منسوخ، وفي هذا من قول الصحابة دلالة على أنهم كانوا يرون نسخ السنة بالقرآن.
وقد روى قوم من الشيعة عن علي رضي الله عنه أنه قال إنما كان المسح على الخفين قبل نزول المائدة ثم نهى عنه فصارت الإباحة منسوخة. هذا أمر لا يصح عن علي رضي الله عنه. وقد ثبت عنه أنه قال لو كان الدين بالقياس أو بالرأي لكان باطن الخف، أولى بالمسح من ظاهره، إلا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهر خفيه.
وقد ذكره أبو داود حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن غياث حدثنا الأعمش، عَن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه بمعناه.

.ومن باب في التوقيت في المسح:

قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد وهو ابن أبي زياد عن أيوب بن قَطَن عن أُبَي بن عمارة أنه قال: «يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم قال يوم قال ويومين قال وثلاثة قال نعم وما شئت».
قلت: والأصل في التوقيت أنه للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن هكذا روي في خبر خزيمة بن ثابت وخبر صفوان بن عسال وهو قول عامة الفقهاء غير أن مالكا قال يمسح من غير توقيت قولا بظاهر هذا الحديث.
وتأويل الحديث عندنا أنه جعل له أن يرتخص بالمسح ما شاء وما بدا له كلما احتاج إليه على مر الزمان إلاّ أنه لا يعدو شرط التوقيت، والأصل وجوب غسل الرجلين فإذا جاءت الرخصة في المسح مقدرة بوقت معلوم لم يجز مجاوزتها إلاّ بيقين، والتوقيت في الأخبار الصحيحة إنما هو اليوم والليلة للمقيم والثلاثة الأيام ولياليهن للمسافر.
فأما رواية منصور عن إبراهيم التيمي، عَن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت أنه قال ولو استزدناه لزادنا. فإن الحكم وحمادًا قد روياه عن إبراهيم فلم يذكروا فيه هذا الكلام ولو ثبت لم يكن فيه حجة لأنه ظن منه وحسبان، والحجة إنما تقوم بقول صاحب الشريعة لا بظن الراوي.
وقال محمد بن إسماعيل ليس في التوقيت في المسح على الخفين شيء أصح من حديث صفوان بن عسال المرادي.
ورأيت أن أذكر حديث صفوان إذ كان المعول عليه وفيه ألفاظ فيها معان تحتاج إلى شرح وتفسير ونحن نذكر وجوهها إن شاء الله.
حدثنا ابن الأعرابي وإسماعيل بن محمد الصفار، قال: حَدَّثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال فقال: «ما جاء بك قلت ابتغاء العلم. قال: فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب قلت حاك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول وكنت امرأً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأتيتك أسألك هل سمعت منه في ذلك شيئًا فقال نعم كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين لا ننزع خفافنا ثلاثةَ أيام ولياليهن إلاّ من جنابة لكن من غائط وبول ونوم. قلت هل سمعته يذكر الهوى، قال نعم بينما نحن في مسير إذ ناداه أعرابي بصوت له جَهوري يا محمد فأجابه على نحو ذلك هاؤم قلنا ويحك أو ويلك اغضُض من صوتك فإنك قد نهيت عن ذلك. فقال والله لا أغضض من صوتي، قال أرأيتَ رجلا أحب قوما ولما يلحق بهم قال المرء مع من أحب. قال: ثم لم يزل يحدثنا حتى قال إن من قِبَل المغرب بابًا للتوبة مسيرة أربعين سنة أو سبعين سنة فتحه الله للتوبة يوم خلق السموات والأرض فلا يغلقه حتى تطلع الشمس منه».
قوله: «إن الملائكة تضع أجنحتها» فيه ثلاثة أوجه أحدها أن يكون معنى وضع الجناح من الملائكة بسط أجنحتها وفرشها لطالب العلم لتكون وطاءً له ومعونة إذا مشى في طلب العلم.
والوجه الثاني أن يكون ذلك بمعنى التواضع من الملائكة تعظيما لحقه وتوقيرا لعلمه فتضم أجنحتها له وتخفضها عن الطيران كقوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء: 24].
والوجه الثالث أن يكون وضع الجناح يراد به النزول عند مجالس العلم والذكر وترك الطيران كما روي أنه قال صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يذكرون الله عز وجل إلاّ حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده».
قلت: وهذه الكلمة لم يرفعها سفيان في هذه الرواية ورفعها حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن صفوان بن عسال وقد رواه أيضًا أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «سفرا» هو جمع سافر كما يقال تاجر وتجر وراكب وركب. وقوله: «لكن من غائط وبول» كلمة لكن موضوعة للاستدراك وذلك لأنه قد تقدمه نفي واستثناء وهو قوله: «كان يأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلاّ من جنابة» ثم قال: «لكن من بول وغائط ونوم» فاستدركه بلكن ليعلم أن الرخصة إنما جاءت في هذا النوع من الأحداث دون الجنابة فإن المسافر الماسح على خفه إذا أجنب كان عليه نزع الخف وغسل الرجل مع سائر البدن وهذا كما تقول ما جاءني زيد لكن عمرو وما رأيت زيدًا لكن خالدًا.
ويشبه أن يكون رفع النبي صلى الله عليه وسلم صوته في جواب الأعرابي. وقوله: «هاؤم يمد به صوته» من ناحية الشفقة عليه لئلا يحبط عمله وذلك لما جاء من الوعيد في قوله تعالى: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2] فعذره عليه السلام لجهله وقلة علمه ورفع صوته حتى كان فوق صوته أو مثله لفرط رأفته وشفقته على أمته.
وفيه أنه أقام المحبة والمشايعة في الخير والطاعة مقام العمل بهما وجعل المرء مع من أحب.
وفيه دليل على استحباب احتمال دالة التلامذة والصبر على أذاهم لما يُرجى من عاقبته من النفع لهم.

.ومن باب المسح على الجوربين:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان، عَن أبي قيس الأودي عن هذيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين».
قوله: «والنعلين» هو أن يكون قد لبس النعلين فوق الجوربين. وقد أجاز المسح على الجوربين جماعة من السلف وذهب إليه نفر من فقهاء الأمصار منهم سفيان الثوري وأحمد وإسحاق وقال مالك والأوزاعي والشافعي لا يجوز المسح على الجوربين قال الشافعي إلاّ إذا كانا منعلين يمكن متابعة المشي فيهما. وقال أبو يوسف ومحمد يُمسح عليهما إذا كانا ثخينين لا يشقان. وقد ضعف أبو داود هذا الحديث وذكر أن عبد الرحمن بن مهدي كان لا يحدث به.

.ومن باب في الانتضاح:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بال توضأ وينتضح».
الانتضاح هاهنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء، وقد يتناول الانتضاح أيضًا على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء به ليرفع بذلك وسوسة الشيطان.